السبت، أكتوبر 01، 2011

شرح حديث ( الماهر بالقرآن والذي يتعتع في قراءته للقرآن)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه المتقين.
عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (( الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ ))[1].


أولا. التعريف بالسيدة عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ:
أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنهما ـ، وأمها رومان بنت عامر، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بكرا، وكانت أحب أزواجه إليه بعد خديجة، وأكثرهن علما وأكثر النساء رواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، روي لها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث، ، توفيت بالمدينة المنورة سنة ثمان وخمسين للهجرة، وعمرها سبع وستون سنة.[2]
ثانيا. تحليل حديث " الماهر بالقرآن ":
1. الماهر بالقرآن: الحاذق بقراءته، قال النووي: الْحَاذِق الْكَامِل الْحِفْظ الَّذِي لا يَتَوَقَّف وَلا يَشُقّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة بِجَوْدَةِ حِفْظه وَإِتْقَانه.
2. مع السفرة الكرام البررة: مع الملائكة، قال تعالىعنهم: ((  وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ {الإنفطار/10} كِرَامًا كَاتِبِينَ {الإنفطار/11} ))١ ، وقال سبحانه:((  فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ {عبس/13} مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ {عبس/14} بِأَيْدِي سَفَرَةٍ {عبس/15} كِرَامٍ بَرَرَةٍ {عبس/16} )).
       السَّفَرَةِ هم الملائكة، جمع سافر، والسافِرُ في الأَصل الكاتب؛ سمي به لأَنه يبين الشيء ويوضحه، قال الزجاج: قيل للكاتب سافر وللكتاب سِفْرٌ؛ لأَن معناه أَنه يبين الشيء ويوضحه.[3]
الكرام: جمع الكَريم، وهو الجامع لأَنواع الخير والشرَف والفضائل، والكَريم اسم جامع لكل ما يُحْمَد.
البررة: المطيعون، ورد في القرآن جمع الأبرار والبررة، ونلاحظ أن القرآن الكريم يستعمل الأبرار للناس المكلّفين، ويستعمل البررة للملائكة ،ولم يستعملها للناس أبداً، (( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ {عبس/15} كِرَامٍ بَرَرَةٍ {عبس/16} )).لماذا؟ والجواب: الأبرار هي من الصيغ المستخدمة لجموع القَلّة، والناس قليل منهم الأبرار، (قلة نسبية) مصداقاً لقوله تعالى:(( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ {يوسف/103} ))، فاستعمل القَلّة النسبية بينما الملائكة كلهم أبرار؛ فاستعمل معهم الجمع الذي يدل على الكثرة (بررة).[4]
والمعنى المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: ((الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ)) أن المتقن للقرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبُّرا وعملا بأحكامه ينال منزلة عظيمة عند الله تعالى تعدل منزلة السفرة الكرام البررة، فهو سفير حامل لكتاب الله تعالى يتعلمه ويتلوه ويعلمه للناس، فيتميز بخصال يحمدها الله تعالى، ويعمل بالقرآن الكريم طاعة لله عز وجل.  
3. وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ: وأما الذي يقرأ القرآن الكريم ويتتعتع فيه أي يقرأه مع تردد ضعف في قراءته نتيجة صعوبة النطق مثلا، ويجد مشقة في إتقان التلاوة، مع أنه يجتهد في سبيل التغلب على تلك المشقة، فإن هذا له أجران، أجر تلاوته للقرآن الكريم، وأجر اجتهاده لتحسين أداءه في التلاوة، وهذا من سعة رحمة الله تعالى بعباده.
والمعنى المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ)) أن النبي عليه الصلاة والسلام يبين الثواب لمن اجتهد في تلاوة القرآن الكريم مع الصعوبة التي يجدها بسبب ثقل لسانه، أو عدم تمكنه من القراءة، أو بسبب ضعف قدرته على الحفظ، أو لأي سبب يؤدي إلى تعتعته عند قراءته للقرآن الكريم، فإن هذا له أجران، ولا ينبغي له أن يترك التلاوة لتلك الأسباب بل عليه أن يستمر في اجتهاده، والله تعالى معه، قال عز وجل(( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت/69} )) ، وقد مررت بشاب يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق، ثم انقطعت عنه لمدة سنوات، ولما التقيت به مرة أخرى سمعت منه القرآن الكريم بتلاوة مجودة، وتبين لي أنه حقق ذلك بسبب اجتهاده، ولله الحمد، وبه التوفيق والسداد.
ويستفاد من الحديث أن الماهر بالقرآن أفضل ممن يتعتع في قراءته للقرآن الكريم، وفي كل خير.
  

 

[1] مسلم، الصحيح، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه، رقم الحديث (798).
[2] ابن الأثير، أسد الغابة، الجزء (5)، الصفحة (341).
[3] شرح النووي على جامع الإمام مسلم، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتعتع فيه، الجزء (3)، الصفحة (152).
[4] موقع http://www.maroc-quran.com/vb/t13162.html

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعداد المعلم ياسر بن سعيد بن عامر الراشدي ysaras11@gmail.com

هناك تعليق واحد: