أخي/ أنا في نهاية عقد العشرينيات من العمر، متزوج ولدي بنين وبنات، كنت أعاني من عدم تفهم زوجتي لفترة من الزمن، وكنت دائما ما أحاول أن أفهمها حاجاتي النفسية من حب وحنان وتفهّم، أحاول نصحها عن الإهمال في تربية أولدها، وعن المحافظة على الصلاة وقراءة القرآن، فمرة تفهمني، ومرة تتجاهلني، ومرة تعدني وتنفذ ما أطلب منها، ثم ما تلبث أن تعود إلى سابق عهدها.
قبل خمس سنين بدأت حياتي تتجه إلى الهاوية؛ حيث بدأت أبحث في الإنترنت عن الصور الجنسية والمقاطع الإباحية، وكنت سرعان ما أندم وأتوب وأنا أبكي لأن حياتي ليست كما أريد، استمر الأمر كذلك أنقطع لفترة شهور، ثم أعود إلى أن وصلت الآن إلى أني لا أستطيع غض بصري عن الحرام، بل أسعى أليه كما لو أني مجنون شهواني بدرجة كبيرة، حتى أني أحس أنه لو عرض علي فعل الفاحشة لفعلتها دون تردد، علما أني غير مقتنع بهذا الطريق، وأتمنى أن لو أعود لما كنت عليه، ولكن قلبي أصبح قاسيا؛ إذ أن المواعظ أصبحت لا تؤثر فيَّ، ولا أخاف من ارتكاب المحرم.
ما زلت محافظا على الصلاة في المسجد وأحفظ بعض أجزاء القرآن، كما أني أتلوه باستمرار، وبارا بوالدي، وأحب مساعدة الآخرين، والناس في حلتنا يحبوني ويقدروني؛ لكنهم لا يعرفون حقيقتي.
أرجو أن تساعدوني بصدق في التخلص من هذه الشهوانية المقيتة، بنقاط محددة، وأعود إلى ربي كما كنت وأفضل. أسأل الله أن يهدينا إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
الجواب والله المستعان
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه المتقين، أما بعد
النصيحة واجبة على المسلم لأخيه المسلم
وعليه أن يقبل بنصيحة إخوانه الناصحين له والله عز جل يقول: (( بسم الله الرحمن الرحيم، والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)).
ونصيحتي لك يا أخي كما يأتي:
أولا. استعذ بالله من الشيطان الرجيم، فعندما تجد خاطرة في نفسك تدفعك إلى النظر المحرم، وأنت لست مطمأن لها فهي من الشيطان، وعليك تتبع قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } [الأعراف: 201]، وهنا لابد من أن تقوي في نفسك عداوتك للشيطان الرجيم.
ثانيا. البراءة من معصية النظر المحرم، وذلك بأن تبغض النظر الحرام إلى نفسك، فليس من شكر الله على نعمة الزواج أن تخون وتتجه إلى النظر الحرام، فالنظر المحرم معصية وفسوق، ومن وقع فيه خالف قول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
ثالثا. تذكر أن المعصية تُعدُّ شرعا من كفر النعمة، وليس من خصال المؤمن أن يعود إلى الكفر بعد أن منَّ الله عليه بالزواج، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).
رابعا. عليك بتقوى الله تعالى، ولن تحقق التقوى إلا بترك المعاصي صغيرها وكبيرها، واعلم أن أعمالك من صلاة وصيام وزكاة وقراءة للقرآن وغيرها لن تقبل ما دمت على المعصية، قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، فهل تبيع عبادتك وطاعتك بمعصية تافهة ذات لذة فانية عابرة، ثم تكون ممن قال الله تعالى فيهم: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)} [الغاشية: 1 - 7].
خامسا. طاعتك لله تعالى وتوبتك له وإخلاصك له عز وجل سبيل إلى صلاح زوجك بإذنه تعالى، فتوكل على الله تعالى، وتذكر قوله عز وجل: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)} [الممتحنة: 4، 5]، وكن مطمأن القلب أن الله تعالى لن يضيعك، وسيسعدك بزوجك، ولن تجد المرأة الأجنبية سبيلا إلى قلبك.
سادسا. استعن بالله عز وجل للتخلص من الران الذي كدر صفاءه ونقاءه، وما الران إلى سواد يكسو القلب بما كسبت يداك من المعاصي، قال تعالى: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، وحتى تتخلص من الران عليك بالتوبة النصوح، ولن تجد التوبة النصوح ما دمت مستمرا على معصية النظر المحرم.
سابعا.عليك أن تقلع أولا عن الذنب، وحتى تقلع عنه تذكر قبح الذنوب وآثارها على حياتك في الدنيا والآخرة، فالذنوب مهلكة لصاحبها خاصة مع وجود نعم الله تعالى عليه، وهنا تذكر واعتبر بقوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ } [الأنعام: 6].
ثامنا. توكل على الله تعالى واشغل نفسك بالطاعة في سائر وقتك، فالانترنت نعمة وفيه الخير، ومن ذلك أن تشتغل بالمفيد بما فيه الدعوة إلى الله تعالى، ونصح الآخرين، ونشر المعرفة والعلم النافع، وتوحيد شمل الأمة الإسلامية وغيرها مما أمرنا الله تعالى بالدعوة إليه، وتذكر أنك من أتباع النبي عليه الصلاة والسلام الذي قال له رب العزة والجلال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف: 108].
تاسعا. واعلم أن مما يعين على ترك معصية النظر المحرم أن تدعو الله تعالى قائلا: اللهم اغنني بحلالك عن الحرام وبطاعتك عن الآثام، ثم إن الله رزقك الزوج التي تحب فعليك أن تأتيها بما يلبي حاجاتك النفسية والجسدية، وحبب نفسها لك بحسن المعاشرة، وطيب المعاملة.
عاشرا. تذكر أن ستلقى الله تعالى بعملك، فليكن عملا صالحا تجد معه الرحمة والمغفرة، قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [طه: 82]، وإليك هذه القصة الرمزية عن الوزراء الثلاثة، ففي يوم من الأيام استدعى الملك وزراءه الثلاثة, وطلب منهم أمرا غريبا, طلب من كل وزير أن يأخذ كيسا ويذهب إلى بستان القصر, وأن يملأ هذا الكيس للملك من مختلف طيبات الثمار والزرع, كما طلب منهم أن لا يستعينوا بأحد في هذه المهمة، وأن لا يسندوها إلى أحد آخر, استغرب الوزراء من طلب الملك، وأخذ كل واحد منهم كيسة وانطلق إلى البستان, فأما الوزير الأول فقد حرص على أن يرضي الملك فجمع من كل الثمرات من أفضل وأجود المحصول، وكان يتخير الطيب والجيد من الثمار حتى ملأ الكيس, أما الوزير الثاني فقد كان مقتنع بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه وأنه لن يتفحص الثمار فقام بجمع الثمار بكسل وإهمال فلم يتحرى الطيب من الفاسد، حتى ملأ الكيس بالثمار كيفما اتفق، أما الوزير الثالث فلم يعتقد أن الملك يسوف يهتم بمحتوى الكيس أصلا فملأ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار، وفي اليوم التالي أمر الملك أن يؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي جمعوها، فلما اجتمع الوزراء بالملك أمر الملك الجنود بأن يأخذوا الوزراء الثلاثة ويسجنوهم على حدة، كل واحد منهم مع الكيس الذي معه لمدة ثلاثة أشهر في سجن بعيد لا يصل إليهم فيه أحد كان, وأن يمنع عنهم الأكل والشراب، فأما الوزير الأول فضل يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى انقضت الأشهر الثلاثة، وأما الوزير الثاني فقد عاش الشهور الثلاثة في ضيق وقلة حيلة معتمدا على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها، أما الوزير الثالث فقد مات جوع قبل أن ينقضي الشهر الأول. وهكذا اسأل نفسك من أي نوع أنت فأنت الآن في بستان الدنيا، لك حرية أن تجمع من الأعمال الطيبة أو الأعمال الخبيثة ولكن غدا عندما يأمر ملك الملوك أن تسجن في قبرك في ذلك السجن الضيق المظلم لوحدك , ماذا تعتقد سوف ينفعك غير طيبات الأعمال التي جمعتها في حياتك الدنيا.
وأخيرا يا أخي أذكرك بأننا في دار ابتلاء وفتن، فعلينا أن نعتصم بالله تعالى ونلجأ إليه قانتين، ومن ذلك أن نحافظ على قيام الليل، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } [الزمر: 9]، فالعاقل اللبيب لا يترك قيام الليل ففيه تخليص للقلب من أمراضه، وشحذ للنفس على الطاعة والتزام الحق، وقيام الليل معين على ترك المعاصي، وسبيل إلى مغفرة الذنوب، وهو عنوان الاعتصام بالله تعالى واللجوء إليه من فتن الحياة الدنيا.
وإن كان لديك الرغبة في التواصل معي فهذا بريدي الإلكتروني ysaras11@gmail.com والله الموفق لما فيه الخير.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعداد المعلم ياسر بن سعيد بن عامر الراشدي ysaras11@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق