السبت، أكتوبر 15، 2011

السلوك الذي ينبغي أن يسلكه المسلم عند حدوث الزلازل والكوارث


 


بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن للمؤمن في كل موقف من المواقف مُعتَبرا ، وله في كل حادثة مُدّكرا ، ذلك لأن المؤمن يرى يد الله تبارك وتعالى تصرّف هذا الوجود من خلال ما يجري في هذا الكون ، فالكون كله إنما هو واقع تحت قبضة الله سبحانه ، يصرّفه كيفما يشاء ، هو الذي يحي ويميت ويعطي ويمنع ويرفع ويخفض ، وهو الذي يأتي بالسراء والضراء .
وأمر الله سبحانه وتعالى نافذ نفوذاً لا يمكن أن يتصور عظمه عقل بشر قط كما يقول سبحانه وتعالى ( وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (القمر:50 ) . فإن الله تعالى الذي خلق هذا الوجود المترامي الأطراف ، الذي لا يمكن أن يُحدّ بحسب مقاييس البشر ، ويصرّف هذا الوجود هذا التصريف العجيب بحيث لا تخرج ذرة من ذراته عن إرادته سبحانه وتعالى ، فلا يفوته سبحانه شيء في هذا الكون جميعاً ، هو على كل شيء قدير ، وهو سبحانه وتعالى بكل شيء عليم ، ومدبر لكل شيء .
والله سبحانه أنذر عباده سوء العواقب عندما يخرجون عن الخط السويّ ، فالله سبحانه ناط المُسَبَبات بأسبابها ، وقد جعل للطاعة أثراً في استقرار الأحوال ، كما جعل سبحانه وتعالى للمعصية أيضاً أثرا .
ونحن لا نقول بأن المعصية منحصرة في هؤلاء الذين أصيبوا بما أصيبوا به ، لا ، ولكنّ الله هكذا أمره ، يبتلي من يشاء بما يشاء ، ويفعل ما يشاء في من يشاء ، فهو سبحانه يجعل بعض عباده عِبراً لبعض .
وقد حذّر الله سبحانه عباده مُذكّراً إياهم بعواقب الأمم الغابرة ، ففي مصارع القوم الظالمين عِبر للمعتبرين وذكرى للمدّكرين ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) (النازعـات:26) . وقد قال تعالى ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ) (الأنعام:6) . نعم ، هناك أمم استُخلفت في هذه الأرض ومُكّن لها فيها ، وقد تمكنوا أكثر مما تمكّن مَن بعدهم كما يقول الله سبحانه وتعالى في وصف أولئك ( وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا )(الروم: من الآية9) ، أي أكثر مما عمرها مَن قبلهم ، وهذه آثار باقية إلى وقتنا هذا تدل على قوة تلك الأمم التي مُكّن لها في الأرض وعمرت هذه الأرض ، فالأهرامات هي دليل القوة ، ومن الذي يستطيع الآن أن يبني مثل بنائها .
كذلك ما يُشاهد من معالم حضارية بقيت في هذا العالم إنما هي دلائل قوة وتمكين في هذه الأرض .
وفي بعض الحفريات السابقة أيضاً ما يدل على التمكين فقبل عقود من السنين اكتشف أحد الأمريكان مملكة كانت قائمة في بلاد ما وراء النهر ، هذه المملكة كانت تسمى مملكة ( كيش الأولى ) تعاقب على حكمها ثلاثة وعشرون ملكاً لمدة أربعة وعشرين ألف عام ، ومعنى ذلك أن نصيب كل واحد من الملوك الثلاثة والعشرين أكثر من ألف عام إن قُسّمت هذه المدة بينهم بالسوية .
فهؤلاء كم عُمّروا ، وكم تمتعوا بخيرات هذه الأرض ، وكم التهموا ملذاتها ولكن مع ذلك بادوا حتى أنه لم يبق لهم أثر ، ولم يبق لهم ذكر إلا من خلال هذه الاكتشافات الأثرية تحت أنقاض الأرض .
كذلك عقبتها مملكة تُسمى مملكة ( أوروك الأولى ) تعاقب على حكمها أحد عشر ملكاً لمدة ألفين وأربعمائة عام ، ومعنى ذلك أن حصة كل واحد من هؤلاء كانت أكثر من مئتي عام التي بقي كل منها حاكماً إن وُزّعت هذه المدة بينهم بالسوية .
هذا مما يدل على أن أمماً هناك تمتعت بما تمتعت به .
كذلك قص الله سبحانه علينا في القرآن الكريم أنباء عاد وثمود وفرعون وقومه وقوم لوط وغيرهم ممن أصيبوا بما أصيبوا به .
فالمؤمن يدّكر ويخشى الله تعالى ويتقيه ( سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى ) (الأعلى:10-11) المؤمن يدّكر لأنه يخشى الله تعالى ، ولأنه لا ينظر إلى الشكل الظاهر مع الغفلة عن المضمون والجوهر ، بل يحرص على أن ينفذ ببصيرته إلى ما وراء هذه المظاهر ليتعمق بفكره فيرى أن الله سبحانه وتعالى إنما فعل ذلك لحكمة ، ذلك لأجل تذكير عباده وإنذارهم بطشه ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ) (البروج:12-13) . فبطش الله تبارك وتعالى بطش شديد ، وأمره أمر سريع كما أخبر بنفسه عندما قال ( وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (القمر:50) . هكذا ، ومثل ذلك وقع هذا الزلزال بهذه السرعة الغريبة ، وإذا بآثاره تمتد على بُعد آلاف الأميال وتهلك أمم في أصقاع من الأرض مترامية الأطراف بعيدة عن مركز هذا الزلزال ، هذا مما يذكّر العباد ببطش الله سبحانه وتعالى .
فإذاً على المسلمين أن يعتبروا ، وأن يعودوا إلى ربهم ، وأن يحاسبوا أنفسهم فإن أمر الله سبحانه وتعالى إنما هو بين الكاف والنون .
والله سبحانه وتعالى كما بيّن أن هؤلاء الذين عوقبوا في الأمم الماضية وأصيبوا بما أصيبوا به وطوتهم تلك القرون الخالية إنما أصيبوا بما أصيبوا به من جراء ذنوبهم كما قال تعالى ( فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ )(الأنعام: من الآية6) ، فكذلك الله سبحانه وتعالى يبيّن أن خلاف ذلك سبب للاستقرار والطمأنينة والراحة إذ يقول تعالى ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيه )(الجـن: 16-17) ، ويقول سبحانه وتعالى ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (الأعراف:96 ) . فهكذا على المؤمنين أن يعتبروا بمثل هذه الأحداث ، وأن يراجعوا أنفسهم ، وأن يدركوا أنهم أيضاً عرضة لمثل هذا البلاء ، لا يدفع هذا البلاء إلا الله سبحانه وتعالى ، فلعل الذين أصيبوا بما أصيبوا به ليسوا أولى بأن يصابوا ، ولكن حكمة الله تعالى اقتضت ذلك ، وأراد أن يكونوا عبرة ، وإلا فمن الذين أصيبوا أطفال رُضّع وبهائم رُتّع ، حكمة الله اقتضت أن يعمهم أمره سبحانه وتعالى لأجل أن يعتبر الآخرون .
والله سبحانه عندما أنذر القوم الكافرين عاقبة الأمم السابقة بعد أن ذكر أحوال الأمم السابقة قال ( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) (القمر:43) . فليست لأحد براءة عند الله سبحانه وتعالى ، إنما على الإنسان أن يُحسن العمل بينه وبين ربه ، ثم مع ذلك عليه أن يُحس بالرحمة والشفقة على المنكوبين المصابين ، فهناك إما أن تكون أخوّة دينية وهي أخوّة تفوق أخوّة النسب لأنها علاقة ربانية تشد المؤمن إلى المؤمن ، وإما أن تكون هناك أخوّة إنسانية عامة يشترك فيها البشر وكل من ذلك مما يدعو إلى الرحمة والشفقة والتعاون والتآزر .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقول عن سؤال أهل الذكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق