الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الجواب : إنك لن تطيع إلا إذا عرفت من هو الآمر ، أنت في الخدمة الإلزامية ، ومقدم على عيد ، وتطمح بإجازة ، لتمضي العيد بين أهلك جاءتك ورقة مكتوب عليها : لا تغادر الثكنة ، ابقَ في الثكنة ، التوقيع صديقك فلان ، لا تعبأ بهذا الأمر ، لو أن الموقع فلان متقدم عليك في الدورة ، وله سلطة صار الأمر مهماً ، كلما ارتفع مستوى الآمر عظم عندك الأمر ، فإذا رأيت ورقة كتب عليها لا تغادر الثكنة ، التوقيع قائد الوحدة ، وتعلم علم اليقين أن في المغادرة سجن وتأخير في إنهاء الدورة … إلخ ، عندئذ تنفذ الأمر ، إنك لن تنفذ الأمر إلا إذا عرفت من هو الآمر ، وما حجم هذا الآمر ، وما عنده من عقاب وما عنده من ثواب ، إذا عرفت بالضبط من الآمر ، وما حجمه وما رتبته ، وما العقاب الذي بإمكانه أن يوقعه بك ، وما الثواب الذي بإمكانه أن ينقله إليك ، عندئذ تطيعه ، لذلك لماذا لا يطيع الناس ربهم ؟ لأنهم لا يعرفونه، والله لو عرفوك يا رب لأطاعوك ، لكنهم ما عرفوك يا رب ، ما عرفوا ماذا يعني مخالفة أمرك ، ما عرفوا ماذا تعني طاعتك تعني طاعتك سعادة الدنيا والآخرة ، تعني طاعتك التوفيق في كل شيء تعني طاعتك ، يا رب أن يسعد هذا الإنسان بها ، سعادة لا توصف يعني يجب أن تقول ، إذا كنت مطيعاً لله حقاً ، واللهِ ليس في الأرض من هو أسعد مني ، في أي ظرف ، في أي مكان ، في أي زمان ، لأن الخير كله في طاعة الله ، والشر كله في معصيته .
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾
( سورة طه : 124 ).
و:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
( سورة النحل : 97 ) .
إذاً : الشيء المهم أنك لن تطيع الله إلا إذا عرفته ، ولن تطيعه أيضاً إلا إذا عرفت أمره ، إذاً من أجل أن تطيعه ، من أجل أن تتقي الله أي أن تتقي عقابه بطاعته ، يجب أن تعرفه أولاً ، ويجب أن تعرف أمره ثانياً ، ربما تعرفه إذا فكرت في خلق السماوات والأرض ، أو تعلمت من أولي العلم عنه الشيء الكثير ، إما أن تفكر ، وإما أن تستمع ، إما أن تدرس ، وإما أن تتأمل ، لا بد من أن تلقي السمع ، ولا بد أن تعقل .
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾
( سورة ق : 37 ) .
فلذلك أيها الإخوة الأكارم ... موضوع معرفة الله شيء مصيري ، ما لنا خيار فيه ، يعني فلان يحمل دكتوراه مثلا ، متى أخذها؟ أخذها ، وهو نائم ، أخذها بالتمني ، أخذها بالطموح ، أما أخذها بالكد والعمل ، أخذها في سنوات سبع ، هذا سؤال خطير ، أنت مؤمن يقول لك : نعم والحمد لله ، تقول له متى آمنت ؟ أي وقت خصصته كي تؤمن ، متى عرفت الله ؟ كم كتابًا قرأت ؟ كم مجلس علم حضرت ؟ كم عالمًا التقيت ؟ متى عرفت الله عز وجل ؟ لا يمكن أن تأخذ شهادة من أهل الأرض إلا بجهد جهيد ، وبعرق شديد ، وبوقت مديد، أما أن تعرف الله بلا جهد ، وبلا وقت وبلا تعب ، وبلا نصب ، وبلا جلوس على ركبتيك في المساجد ، وبلا قراءة طويلة ، وبلا سؤال عريض ، لا تعرف الله ، إذا لم تكن تعرفه فلا تطيعه ، لا تعبأ بأمره ، أنت الآن في الحياة الدنيا، أمامك موت .
" كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذي العزة والجبروت " ، " الليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر " ، " العمر مهما طال فلا بد من نزول القبـر " .
قلت مرة : هذا الطالب الذي أحرز الدرجة الأولى على القطر في الثانوية العامة ، لماذا أحرز هذه الدرجة ؟ لأن الامتحان ، وصورة الامتحان ، وشبح الامتحان ، ووقت الامتحان ، وخطورة الامتحان ، وما وبعد الامتحان ، ما غادر ذهنه ولا دقيقة ، طوال العام الدراسي كلما هم أن يضيع وقتاً تذكر الامتحان ، كلما هم أن يمضي وقتاً مع أصدقائه تذكر الامتحان ، كلما همّ أن يقرأ قصة لا قيمة لها تذكر الامتحان ، كلما هم أن يخرج من البيت تذكر الامتحان ، والذي ينجو من الموت هو الذي يفكر في الموت ، لذلك عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ :
(( كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ قَالَ : أَحْسَنُهُ خُلُقًا ، قَالَ : فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ ، قَالَ : أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا ، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ )) .
(أخرجه ابن ماجة)
لكن هذا الذي يعد العدة للقاء الله عز وجل سوف يكون الموت في حقه عرساً ، الإنسان له عرس في الدنيا ، يقول لك شهر عسل ، قد يكون شهر بصل ، هذا العرس تأتي بعده المتاعب ، ولكن عرس المؤمن لا تعب بعده إطلاقاً ، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبة ، لا كرب على أبيك بعد الموت ، لا يوجد كرب أبداً ، " اتقوا الله " يعني اتق عذابه بطاعته ، اتق النار بالهروب من أسبابها ، اتق الله بطاعته ، لا ملجأ منه إلا إليه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من دروس فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق